( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وماأوتيتم من العلم إلا قليلا )...صدق الله العظيم.
عالم الأرواح سر من الأسرار التي لايطلع عليها غير مالك هذه الأرواح وحده ....... ولايعلم ماخفي منها إلا هو سبحانه ....... إنه عالم عجيب غامض وبعيد عن فهم البشر .....
وللعالم والطبيب الشهير (إبن سينا) قصيدة معروفة تحدَّث فيها عن الروح رمزا وبشكل فلسفي عميق.
هذه القصيدة المسماة بالعينية اشتهرت على نطاق واسعٍ ،وأطلقت الكثير من التفسيرات والتأملات حولها ... وأيضا المعارضات الشعرية من بعض الشعراء الكبار ...
والقصيدة فيها إشارات إلى سمو الروح وعلوها ، واستكانتها لسجن الجسد مرغمة حتى إذا حانت ساعة الرحيل انطلقت سعيدة محلقة في فضاءاتها الواسعة ...
وقد وصف فيها ابن سينا الروح أو كما سماها هو "النفس "...ووتصوره لأصل هذه النفس في امور ثلاث :
1. من أين جاءت النفس ( الروح )
2. علاقة النفس بالبدن
3. مصير النفس.
وتبدوالمسألة غامضة عند ابن سينا ولكن ربما تكون قصيدته هذه هي التي تعبر أكثر من غيرها عن رأيه في المسائل الثلاث التي رصدها.
والقصيدة مكونة من4 أقسام. في الأبيات الأولى منها يصف هبوط الروح من عليائها إلى الجسد أوضح الإنساني،ويقول :
أنها جاءت من محل أرفع أي من مكان أعلى وأرقى وقدأتت رغما عنها وكارهة لذلك، ثم بعد وصولها تحل بالبدن وهي
كارهة... لكنها بعد ذلك تألف وجودها بالبدن، وتألف مسكنها الجديد ؛ لأنها نسيت عهودها السابقة وألفت البدن واستأنسته، ثم بعد ذلك تعود من حيث أتت وتنتهي رحلتها .و في القسم الأخير من
القصيدة يبدأ ابن سينا بالتساءل لماذا؟ ثم يجيب أنها هبطت لحكمة إلهية... هبطت وهي لا تعلم شيئا ولكنها تعود وهي عالمة بكل حقيقة ولو أنها لم تعش في هذا الجسد الأرضي إلا فترة.
وتكاد هذه القصيدة أن تكون هي الوحيدة في الشعر العربي التي تخصصت في الحديث عن الروح وسموها وترفعها .هاهي القصيدة بكل جمالها وتميزها وترفعها:
هبـطـت إليك من المحـل الأرفـع ورقـاءُ ذات تعـززٍٍ وتـمنـع
محجوبـــةعن كل مقـلةعـارفٍ وهي التي سفـرت ولم تـتبرقع
وصلت على كـرهٍ إليـك وربما كرهـت فراقـك وهي ذات تفـجٌـع
ألفـت وما سكنت، فلمَّـا واصلت ألفت مجاورة الخـراب البلـقع
وأظنَّـهـا نسيـت عهــوداً بالحـمى ومنـازلاً بفراقها لـم تـقـنـــع
حتى إذا اتصلت بهـاء هبوطهاعن ميـم مركزها بذات الأجـرع
علقت بهـا ثاءالثقيل فأصبحت بَيْنَ المَعَـالِمِ وَالطُّـلُولِ الخُـضَّـعِ
تبكـي وقد ذكرت عهوداً بالحمى بمدامــعٍ تـهمـي ولمَّا تقـلـــع
وتظـل ساجعـةً على الدِّمن التي درست بتكرار الرياح الأربـع
إذعاقهاالشرك الكثيف وصدهاقفص عن الأوج الفسيح المَرْبَع
حتى إذاقرب المسيرمن الحمى ودناالرحيل إلى الفضاءالأوسـع
سجعت وقدكُشِفَ الغطاءُفأبصرت ماليس يدركَ بالعيونِ الهجَّـع
وغـد ت مفارقة لكل مخـلّـفٍ عنهــا حليـف التُّرْبِ غير مُشَيِّــع
وبدت تُغرِّدُ فـوق ذروة شـاهـقٍ والعـلم يرفـع كل من لم يُرفـع
فلأي شيءِأُهبطت من شاهق ٍعالٍ إلى قعرالحضيض الأوضـع؟
إن كان أهبطـها الإلـهُ لحكمـةٍ طُويت على الفــذِّ اللبيـب الأروع
وهبوطها إن كان ضربــة لازبٍ لتكون ســامعــةً بما لم تسـمـع
وتعـود عالمـة بكل خـــفيَّـة في العـالميـن ، فخرقهــا لم يرقــع
وهي التي قطع الزمان طريقها حتى لقـد غربت بغيـر المطلـع
فكأنَّهـا بـرقٌ تألـَّـق بالحمـــى ثـمَّ انطــوى فكأنـَّـه لـم يلـمـــع
أنعم بردِّ جـواب مـا أنا ســائل عنــه فنـار العـلم ذات تشعشـعِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق